علاقات….

landscape photography of mountains with cloudy skies during golden hour

ذات يوم كنت أجلس مع صديقة لي، واذا بسؤال تطرحه علي حرك مؤشر البحث داخلي ليبحث عن معاني كل علاقة من علاقات حياتنا، سألتني بعد ان خاضت معاناة كبيرة في علاقتها مع أبنها الذي بدأ بالنضج والتمرد، مما جعل سلوكياته تنحرف شيئاً فشيئ، اضافة الى عصيانه المستمر لها ولوالده، سألتني كيف أتقبل أبني بهذا السوء وأنا سعيت جاهدة طول حياتي لغرس القيم والمبادئ والاخلاقيات والمثل ؟ كيف لي أن أقبل ماهو عليه من تمرد وشراسة وقسوة وغل ؟ كيف لي أن أرفع تقبله داخلي ؟ ذلك يعني أني موافقة على كل سلوكياته، مؤيده لعصيانه وتمرده، وهذا منافي لما أرغب فيه.
سؤال يراودنا في كل علاقاتنا تقريباً، حيث أن ثورة الوعي الحالية تطالبنا بتقبل من حولنا لنعيش بسلام، بالرغم من معاناتنا منه، وقد يكون أقرب الأقربين لنا ممن يتعذر قطع علاقتنا به، أو تحديدها باطار رسمي.
هل لنا أن نتقبل الآخر بما هو عليه كي تستمر علاقاتنا ناجحة ؟
كيف نتقبله وهو يخالفنا ؟ ولماذ يخالفنا الآخر ؟ ولماذا تتكرر في كل علاقاتنا نفس النماذج مع اختلاف المسميات ؟ كيف نعيش حياتنا بانسجام وسلام مع من نُحب ؟ كيف نستمر في علاقاتنا دون حكم أو لوم أو عتاب ؟ وهل ينبغي لنا أن اتقبل كل من حولنا ؟ وكيف لنا أن نرضي من أحببنا دون المساس بعالمنا الداخلي بما يؤذينا ؟
الوصول الى علاقة صحية ناضجة مطلب للتعايش مع الآخر، ومن ثم العيش بسلام في هذه الحياة، لأننا خُلقنا كائنات جمعية، ونحمل صفات جينية تحُثنا على العيش ضمن مجتمعات، فلا يستطيع الفرد منّا أن يعيش بمفرده في عزلة عن باقي البشر.
وبما أن العيش مع الآخر مطلب حياتي للعيش في كوكبنا الجميل، وجب علينا الوعي بما تُحدثه العلاقات داخلنا، وبما يجب علينا فعله اتجاه علاقاتنا، أياً كانت هذه العلاقة، الوالدين أو الأخوة والأقرباء، العلاقات الزوجية الأصدقاء وحتى زملاء العمل وغيرها من العلاقات.
ذكر الله في كتابه العزيز آية تُثبت عدم وجود النظام العبثي في الكون (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) فلا شيئ يحدث صدفةً، كما أنه لم ولن يحدث في تجربتنا الحياتية، أن نعيش مع شخص أونواجه حدث هكذا عبثاً أوصدفة بلا قدر، وعليه فإن كل شخص ظهر في حياتنا – ابتداءاً من الوالدين ومروراً بكل علاقاتنا – لنتعلم من خلاله درساً يجعلنا نتقدم خطوة في تطوير وعينا وإحداث الفرق على مستوى التغيير الداخلي لذواتنا, لنعرف كيف نعيش تجربتنا الحياتية بسلام، لنحقق غايتنا الأكبر وعي معرفة ذواتنا والتي من خلالها نعرف الله ونرى نوره يملأنا بالمعرفة والالهام واليقين والايمان.
ومن خلال تجربتي الحياتية وجدت أن الوصول لذلك التعلم وفهم الدرس خلال أي علاقة تواجهنا هو بدء النضج في تلك العلاقة، وبدء الوصول إلى مساحة من السلام الداخلي الذي يخص تلك العلاقة، مما يساعد على رفع التقبل أكثر، ومن ثم الصفاء الذهني والنفسي، لنصل إلى درجة السلام في عالمنا الداخلي، وبعد تعلم الدرس من وجود شخص ما في عالمنا، نستطيع التعايش بسلام سواءاً مع الشخص نفسه أو أشباهه ممن هم حولنا، دون أثر لوجود مساحة مزعجة غير مرغوب فيها من مشاعر الحقد والكره، وعدم القدرة على التسامح.
واذا لم نتعلم، فسيتكرر الحدث، ويتكرر الألم والمعاناة من خلال نسخ شبيهة تمر علينا مع اختلاف المسميات ونوع العلاقات.
خُلقت العلاقات في عالمنا ليزيد وعينا بداخلنا لا لتعم الفوضى أرجاء العالم، عندما نعي ذلك نشعر بالألفة على جميع الأصعدة في علاقاتنا وتتناغم مع من حولنا دون ضغينة أو حقد.
ومما يعمل على تطوير ذلك الأمر في جانب العلاقات هو القبول الغير مشروط، والذي يضفي على علاقاتنا قمة الاحساس بالأمان، بل أن ذلك القبول هو مطلب للعيش في حياة وبيئة نفسية صحيحة، وهو منهج حياة للوصول إلى اتزان نفسي وعاطفي مطلوب لنعيش بسلام.
ومن متطلبات القبول هو التحرر من بعض السلوكيات المبرمجة (معتقدات وقناعات وافتراضات) داخل الإيجو (الأنا) والتي تُعطل الاستفادة من أي علاقة قد تنشأ في تجربتنا الحيايتة، فالحكم على الآخرين وكثرة اللوم والعتاب والنقد وفرض وجهات النظر والرغبة في التحكم في الآخر كلها من مغذيات الإيجو والتي تُعزز الغشاوة على البصيرة لتعلم الدروس والعبر من خلف العلاقة أوالحدث.
فكم من حبيب فارق حبيبه ولم يعي بل ولم يتعلم من تلك التجربة أي درس يُستفاد منه، ليعيد تكرار ذلك الألم من خلال تجربة أخرى تختلف أحداثها وتتشابه نهاياتها، فلماذ تتكرر على شخص نهايات وأحداث متشابهة في علاقاته ؟ ولماذا يتكرر نفس الألم والمعاناة لذلك الشخص ؟ هل لأنه لم يعي ويفهم الدرس بعد ؟ أم لأنه مظلوم وضحية للآخرين وخُلق للمعاناة والألم ليعيش الحياة ببؤس ؟
وهل في هذه الحياة من كُتب عليه آن يعيشها ببؤس ومعاناة ؟ أم أن الحياة خيارات ومراحل نتعلم منها ونتطور للنهوض بالكائن البشري الى أعلى درجات الوعي.
ولكن السؤال، كيف نتعلم الدرس ونتطور من خلال علاقة صاحبت خلالها البؤس والمعاناة والألم حتى أصبحت علاقة سامة، كلما ظهرت على سطح الوعي اخرجت معها المزيد من الحقد والكره، فيتطور الأمر للنقيض، تزداد مساحة عدم القدرة على المسامحة، ويزيد معها الاحساس بالظلم، ويزيد صاحبها بؤساً، وقد يهرب من خلالها إلى علاقة جديدة ظاناً أنه وجد المخرج، وإذا به يصطدم بنسخة شبيهة، ويزيد الحال سوء طالما أنه لم يفهم الدرس.
ان واجهتك مشكلة او معاناة في علاقة ما أو تكرر لك نفس المشهد مع اختلاف الأشخاص اسأل نفسك، لماذا ظهر هذا الانسان في حياتي ؟ مالذي يجب أن أتعلمه من خلال علاقتي به ؟ ما الدرس الذي يجب أن أفهمه ليزيد وعيي ويكون داخلي نضج أكبر للتعامل في هذه العلاقة ؟
تلك الاسئلة المفتوحة التي يُطلقها العقل البشري للعقل الكوني حتماً ستجد الاجابة، لأنها لم تنطلق إلا بدافع التغيير للأفضل، والرغبة في تجاوز الألم والتعلم منه حتى لا يتكرر الخطأ.
اضافة إلى اجراءت تُعزز ذلك التعلم مثل، التفكير فيما ماذا لو ! ماذا لو حدث هذا الموقف لغيري وأنا أنظر له، ماذا ساستفيد ياترى ؟ الخروج من الأنا والتجرد منها ومراقبتها في الحدث دون أحكام، ليتحرر الانسان من شخصنة الموقف والصاق ما حدث لذاته، الامتنان للموقف والحدث من زاوية المراقب ليسهل ذلك الامتنان، كما أن فك الارتباط بالشخص والموقف لهوا من أقوى الأدوات لرؤية الموقف من زاوية مختلفة تماماً عما كان يراه صاحبها من قبل.
ومما يُعزز جانب القبول في العلاقات الفصل بين السلوك وصاحب السلوك، لأن عقولنا عادة ما تُجيد الربط بين السلوك وصاحبه فتنشأ المشاعر السلبية موجهة للشخص لا للسلوك، ،مع تكرار ذلك السلوك تتراكم المشاعر الموجهة للشخص وتزيد شيئاً فشيئ فتزيد معها مساحة الرفض لذلك الشخص دون التفرقة بين الشخص وسلوكه فقد يكون ذلك الشخص صاحب مواقف وسلوكيات أخرى تغفر له سلوك سلبي حصل وتكرر منه، لذلك يجب أن ننوي التدرب على مهارة أن نفصل بين السلوك والشخص صاحب السلوك، ذلك الشخص صاحب الروح التي اختارت روحي أن تكون بقربه لتتعلم دروساً تنهض بها للعيش في هذه الحياة.
تعلم أن تُبصر النور خلف كل علاقة، وتعلم أن تفصل بين السلوك وصاحبه، وتعلم أن ترى بروحك التي أرادت لقاء ذلك الشخص في هذه الحياة لتنال مطلباً أساسياً لها من التعلم في مدرسة الحياة، وأخيراً تعلم أن تُعطي وتتقبل وتمتن وتُحب بذلك الجزء المضيئ منك لتنال أكبر فرصة للفهم والمعرفة.
تذييل لبعض المعاني نهائية الصفحة
الايجو: تعني الذات المزيفة هو ذلك الجزء المزيف من هوية الانسان، تعريفه لذاته، هو الجزء الخاص من البرامج والأفكار والمعتقدات التي ترسبت في حياة الانسان واستقرت داخل عقله.
الافتراضات: هي الأفكار التي اقتنع بصحتها العقل، وفترضها على أنها جزء من الحقيقة التي يجب أن تكون.
القناعات: هي تلك الفكرة التي اقتنع عقل صاحبها بوجودها، وتحولت لمعتقد مقيد، وتحولت لافتراض، لتتطور الى قناعة راسخة
المعتقدات: مشاه فكرة فافتراض وقناعة لتترسخ داخل العقل كمعتقد مقيد يعيق ويسير حياة صاحبه.

مقالات ذات صلة

حدود…

اشتكى لي أحدهم بأن زوجته تجاوزت حدودها معه، حتى أنه لا يطيق العيش معها الآن، وقاب قوسين أوأدنى من اللجوء إلى حل الطلاق، وقد قرر…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *